الرياح هواء متحرّك عبر سطح الأرض. وقد تهب الرياح ببطء ولُطف شديدين، لدرجة تجعل من الصعوبة الإحساس بها، أو قد تهب بسرعة وعُنف كبيرين لدرجة تجعلها تدمر المباني، وتقتلع الأشجار الكبيرة من جذورها. والرياح القوية يمكنها أن تضرب أمواج المحيط العاتية، التي من شأنها أن تحطم السفن، وأن تغمر الأرض. وبإمكان الرياح إزالة التربة من الأراضي الزراعية، ومن ثم تتوقف المحاصيل عن النمو. وتستطيع ذرات التربة الناعمة، التي تحملها الرياح أن تُبلي الصخر، وتغير ملامح الأرض.
الرياح أيضاً جزء من الطقس، فاليوم الحار الرطب قد يتحول فجأة إلى بارد، إذا ما هبّت الرياح من منطقة باردة. والسحب المُحَمَّلة بالمطر والبرق قد تتكون حيث يلتقي الهواء البارد بالهواء الحار الرطب. وقد تدفع رياح أخرى السحب بعيدًا، وتسمح للشمس بأن تدفئ الأرض مرة أخرى. ويمكن للرياح أن تحمل العاصفة الهوجاء إلى مسافات بعيدة.
تُسمى الرياح وفقًا للاتجاه الذي تهب منه. فعلى سبيل المثال تهب الرياح الشرقية من الشرق إلى الغرب، والرياح الشمالية من الشمال إلى الجنوب.
أسباب هبوب الرياح
تحدث الرياح نتيجة التسخين غير المتساوي للغلاف الجوي، عن طريق الطاقة المنبعثة من الشمس. تُسخِّن الشمس سطح الأرض بطريقة غير متساوية، فالهواء الذى يعلو المناطق الحارة يتمدد ويرتفع، ويحل محله هواء من المناطق الأبرد. وتسمى هذه العملية دورة. فالدورة فوق الأرض بكاملها تسمى الدورة العامة، بينما تسمى الدورات النسبية الصغرى والتي يمكن أن تتسبب في حدوث تغيرات في الرياح يومًا بعد يوم، الدورات النسبية الشاملة للرياح. أما الرياح التي من الممكن أن تحدث في مكان واحد فقط، فإنها تُسمّى الرِّياح المحليَّة.
الدورة العامة للهواء حول الأرض: تنشأ الرياح السائدة من الدورة العامة للهواء حول الأرض، كما هو واضح في الرسم على اليسار، حيث نجد أن الدورة قد تم تبسيطها بدرجة كبيرة للغاية. وعند خط الاستواء تسّخن الشمسُ الهواء فيرتفع إلى أعلى كما يتضح من الأسهم الزرقاء، وفي طبقات الجو العليا يتدفق الهواء بعيدًا عن خط الاستواء، وعندما يعود الهواء إلى سطح الأرض، فإنه يتدفق عبر السطح كما هو واضح من الأسهم السوداء. وينتج عن هذا الهواء المتحرك على السطح ستة أحزمة حول الأرض. يتسبب دوران الأرض في إثارة الرياح لتهب نحو الشرق في أحزمة حيث يتحرك الهواء بعيدًا عن خط الاستواء. وفي الأحزمة التي يتحرك منها الهواء نحو خط الاستواء نجد أن الرياح السائدة تهب نحو الغرب.
الدورة العامة للرياح. تحدث فوق قطاعات كبيرة من سطح الأرض، وتُسمّى هذه الرياح الرياح السائدة. وتتنوع هذه الرياح باختلاف خط العرض. فبالقرب من خط الاستواء، يرتفع الهواء الساخن إلى مايقرب من 18,000م. وينتج عن الهواء المتحرك على سطح الأرض، ليحل محل الهواء المرتفع، نطاقان من الرياح السائدة. ويقع هذان النطاقان بين خط الاستواء وخطيّ عرض 30° شمالاً وجنوباً. وتُسمّى الرياح في هذه المناطق الرياح التجارية. وسبب هذه التسمية أن التجار اعتمدوا عليها ذات مرة في إبحار السفن التجارية.
ولا تهب الرياح التجارية مباشرة نحو خط الاستواء، بل تهب ـ نوعًا ما ـ من الشرق إلى الغرب. والجزء الذي يتجه نحو الغرب من حركة الرياح التجارية يحدث بسبب دوران الأرض حول محورها. فكل من الأرض والهواء حولها يدوران نحو الشرق معًا، وكل نقطة على سطح الأرض تتحرك حول دائرة كاملة كل 24 ساعة. أما النقاط القريبة من خط الاستواء، فإنها تتحرك حول دوائر أكبر من النقاط القريبة من خطي العرض 30° شمالاً وجنوبًا. ويرجع السبب في ذلك إلى أن الأرض تكون أكبر عند خط الاستواء، ولذا فالنقاط القريبة من خط الاستواء تتحرك بدرجة أسرع.
وعندما يتحرك الهواء نحو خط الاستواء، فإنه يصل إلى نقاط سريعة الحركة على سطح الأرض. وحيث إن هذه النقاط تتحرك صوب الشرق بدرجة أسرع من حركة الهواء، فإن المرء الذي يقف على الأرض يشعر برياح ما تهب ضده صوب الغرب.
ولاتوجد رياح سائدة قريبًا من خط الاستواء، وعلى بُعد يبلغ مداه ما يقرب من 1,100كم على كل جانب من خط الاستواء، لأن الهواء هناك يرتفع إلى أعلى بدلاً من تحركه عبر الأرض. ويُطلق على هذا النطــــــــاق الهادئ منطقة الركود الاستوائي. وغالبًا ما تتقارب الرياح التجارية في منطقة ضيقة يطلق عليها منطقة التقارب بين المدارية.
ويعود بعض الهواء ـ الذي يرتفع عند خط الاستواء ـ إلى سطح الأرض بين خطي عرض 30° شمالاً وجنوبًا من خط الاستواء. وأما الهواء الذي يتحرك إلى أسفل في تلك المنطقة فلا تنتج عنه أية رياح. ويطلق على هذه المناطق عروض الخيل. ويُقال إن السبب في هذه التسمية يرجع إلى أن عددًا كبيرًا من الخيول قد نَفَقَتْ على ظهر السفن التي توقفت عن الحركة في تلك البقعة، بسبب النقص الشديد في الرياح.
وهناك نوعان من الرياح السائدة ينتجان من الدورة الهوائية العامة. فالرياح الغربية السائدة. تهب ـ نوعًا ما ـ من الغرب إلى الشرق في نطاق يقع بين خطي عرض 30°، 60° شمالاً وجنوبًا من خط الاستواء. وتنشأ هذه الرياح نتيجة لهبوب الهواء بعيدًا عن خط الاستواء إلى مناطق بطيئة الحركة بالقرب من القطبين. وتحمل هذه الرياح الغربية السائدة خصائصها المناخية في اتجاه الشرق عبر جنوبي أستراليا ونيوزيلندا. أما الرياح القطبية الشرقية فإنها تهب ـ نوعًا ما ـ من الشرق إلى الغرب، في نطاق يقع بين القطبين، وبين خطي عرض 60° شمالاً وجنوبًا. أمَّا فيما يخص الهواء على سطح الأرض، والمتحرك بعيدًا عن القطبين، فإنه يتحرك في اتجاه الغرب عبر نقاط أسرع في الحركة باتجاه خط الاستواء
الدورات النسبية الشاملة للرياح. هي حركات الهواء حول مناطق صغيرة ذات ضغط مرتفع وضغط منخفض في الغلاف الجوي. وتتكون هذه المناطق في نطاق الدورة العامة الأكبر، ويتدفق الهواء نحو المناطق منخفضة الضغط، وتُسمّى مناطق الضغط الجوي المنخفض أو الأعاصير. ويتدفق الهواء من مناطق الضغط المرتــــفع والتي تُسمى مناطق الضغط الجوي المرتفع أو الأعاصير المضادة. وبنظرة عامة نجد أن الرياح تتحرك باتجاه عقارب الساعة حول منطقة الضغط المرتفع وعكس اتجاه عقارب الساعة حول منطقة الضغط المنخفض في نصف الكرة الشمالي. وتنعنعم هذه الاتجاهات في نصف الكرة الجنوبي.
وتتحرك كلٌ من مناطق الضغط الجوي المرتفع والضغط الجوي المنخفض ـ بشكل عام ـ مع الرياح السائدة. وعندما تمر ببقعة معينة على سطح الأرض يتغير اتجاه الرياح. فمنطقة الضغط الجوي المنخفض المتحركة في اتجاه الشرق عبر شيكاغو مثلاً، ينتج عنها رياح، من شأنها أن تندفع من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي.
الرياح المحلية. تنشأ هذه الرياح فقط في مناطق معينة ومحدودة المساحة على سطح الأرض. والرياح التي تنتج عن تسخين الأرض أثناء الصيف وبرودتها أثناء الشتاء تُسمى الرياح الموسمية. وهي تهب من المحيط خلال الصيف وصوب المحيط أثناء الشتاء. وتتحكم الرياح الموسمية في مناخ قارة آسيا، وينتج عنها فصول الصيف الحارة، وفصول الشتاء الباردة. أما الرياح المحلية الدافئة الجافة والتي تهب على أحد جوانب الجبال، فتسمى رياح الشينوك في غربي الولايات المتحدة الأمريكية.وتسمى هذه الرياح نفسها في قارة أوروبا رياح الفونة الدافئة الجافة. ومن الرياح المحلية رياح الهرمتان، ورياح السيروكو، ورياح السموم، والهبوب، والخماسين.
قياس الرياح
تتميز الرياح بسمتين هما: سرعتها واتجاهها. ويستعمل كلاهما في وصف الطقس، والتنبؤ به.
سرعة الرياح. يمكن قياس سرعة الرياح عن طريق جهاز يُسمى المرياح. كما تُستعمل في الوقت الحاضر عدة أنواع من المرياح. ومن أكثر هذه الأنواع شيوعًا على الإطلاق ذلك النوع الذي يتكون من ثلاثة أو أربعة أكواب ملتصقة بقضبان مثبتة على عامود دوّار. وتدير هذه القضبانُ العامودَ عندما تهب الرياح ويمكن الإشارة إلى سرعة الرياح عن طريق العامود الدوَّار.
اتجاه الرياح. يُقاس اتجاه الرياح عن طريق جهاز يسمى دوّارة الرياح. ويتكون هذا الجهاز من ذراع مرتبطة بعامود يدور على محور مُثبت في أحد طرفيها. وعندما تهب الرياح في مواجهة الذراع يدور العامود حتى يمكن أن تصطف الذراع في اتجاه الرياح. ويمكن الاستدلال على اتجاه الرياح عن طريق سهم ملحق بالذراع أو عن طريق مؤشر كهربائي تتحكم فيه من بُعد دوّارة الرياح.
وغالبًا مايُشار إلى اتجاهات الرياح بوساطة استعمال 360° موضحّة على دائرة. ويمكن الإشارة من هذه الدائرة إلى اتجاه الشمال، بدرجة الصفر، وتهب الرياح الشرقية من درجة 90°، والرياح الجنوبية من 180°، والغربية من درجة 270°. وغالباً ماتختلف الرياح في السرعة والاتجاه عند الارتفاعات المتعددة. فعلى سبيل المثال يلاحظ أن الدخان المنبعث من فوهة مدخنة قد يأخذ اتجاه الشمال، بينما تتجه السحب الأعلى في السماء صوب الشرق.
وتُقاس الرياح التي تهب عالية فوق سطح الأرض بإطلاق بالونات مملوءة بغاز الهيليوم، حيث يتحرك البالون بسرعة الرياح نفسها. وتقاس حركة البالون بالبصر أو عن طريق الرادار.
ويمكن تحديد ارتفاع البالون، عن طريق ملاحظة الضغط الجوي، عندما يُقاس بجهاز قياس الضغط الجوي (البارومتر) المتصل بالبالون. ويمكن استخدام السحب التي تحدد حركاتها الأقمار الصناعية في تقدير اتجاهات الرياح فوق المحيطات، حيث يمكن إطلاق بضعة بالونات.
مقياس بوفورت لسرعة الرياح. وهو يتألف من سلسلة من الأعداد من صفر إلى 17. ويستعمل للإشارة إلى سرعات الرياح. وقد صَمَّمَ هذا المقياس في عام 1805م العميد البحري البريطاني فرانسيس بوفورت. وقد حدد بوفورت مفهوم هذه الأعداد، وبخاصة تأثير الرياح المتنوعة على السفن الشراعية. ففي نص نموذجي ـ ويقدم هنا على سبيل المثال ـ نُشر في عام 1874م، يقرر المقياس أن الرقم 2 يشير إلى رياح فسَّرها على النحو التالي: رياح يمكن لبارجة مُجَهَزَّة بكل معدات الإبحار، وفي حالة جيدة، ومفرَّغة ـ تماماً ـ أن تبحر في مياه هادئة وصافية بسرعة من عقدة إلى عقدتين. أمَّا الرياح التي يرمز إليها الرقم 12 فهي تلك الرياح التي لايمكن أن يَصمد أمام قوتها أي شراع. وفي الوقت الحاضر يمكن تحديد مفهوم مقياس بوفورت الخاص بسرعات الرياح، والتي يمكن قياسها في نطاق 10م فوق سطح الأرض، كما يُستعمل هذا المقياس أحياناً في تقدير سرعات الرياح.