قال ابن فارس : الطاء والراء والفاء أصلان ، فالأول يدل على حد الشيء وحرفه ، والثاني: يدل على حركة فيه .
طرف الشيء في اللغة ما يقرب من نهايته ، وقيل: ما زاد عن النصف .
قال الجصاص : طرف الشيء إما أن يكون ابتداءه ونهايته ، ويبعد أن يكون ما قرب من الوسط طرفا .
ثانيا - التطرف في الاصطلاح:
لقد أطلق العلماء قديما كلمة المتطرف على المخالف للشرع ، والتطرف على القول المخالف للشرع ، وعلى الفعل المخالف للشرع .
ومن الأول ما قاله ابن تيمية :" وكثيرا ما قد يغلط بعض المتطرفين من الفقهاء في مثل هذا المقام ، فإنه يسأل عن شرط واقف ، أو يمين حالف ، ونحو ذلك ، فيرى أول الكلام مطلقا أو عاما ، وقد قيد في آخره ، فتارة يجعل هذا من باب تعارض الدليلين ، ويحكم عليهما بالأحكام المعروفة للدلائل المتعارضة من التكافؤ والترجيح ، وتارة يرى أن هذا الكلام متناقض لاختلاف آخره وأوله ، وتارة يتلدد تلدد المتحير" .
قال ياقوت الحموي :" إن بعض المتطرفين قرأ: الأكراد أشد كفرا ونفاقا ، فقيل له: إن الآية: { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } ، فقال: إن الله - عز وجل - لم يسافر إلى شهرزور ، فينظر إلى ما هنالك من البلايا ، المخبآت في الزوايا ، وأنا أستغفر الله العظيم من ذلك ، وعلى ذلك ، وقد خرج من هذه الناحية من الأجلة والكبراء ، والأئمة والعلماء ، وأعيان القضاة والفقهاء ، ما يفوت الحصر عده ، ويعجز عن إحصائه النفس ومده" .
ومن الثاني - المتعلق بالقول - ما ورد في المسودة: "ومن الناس من لا يحكي إلا القولين المتطرفين دون الوسط "
ومن الثالث: ما قاله القرطبي : وتكره القبلة للصائم ؛ من أجل ما يخف عليه من التطرف إلى الجماع والإنزال .
وعلى ذلك يمكن القول : إن المقصود بالتطرف عند العلماء:
القائل أو القول ، أو الفعل المخالف للشريعة .
كلمات ذات صلة
أولا - الإرهاب:
الإرهاب لغة: التخويف ، قال تعالى : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ، (1) يعني: تخيفون به عدو الله وعدوكم .
ثانيا - التنطع:
التنطع: هو التكلف المؤدي إلى الخروج عن السنة
والتنطع داء لا دواء له إلا بتركك إياه برمته .
ثالثا - الغلو:
لقد بين العلماء معنى الغلو في الدين ، ومن ذلك ما قاله النووي : الغلو هو الزيادة على ما يطلب شرعا .
وقال ابن حجر : هو المبالغة في الشيء ، والتشديد فيه بتجاوز الحد ، وفيه معنى التعمق .
وقال المناوي : الغلو تجاوز الحد .
ولذا يمكن القول : إن الغلو تجاوز ما أمر الله - تعالى - من جهة التشديد .
رابعا - التعمق:
لقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - المتشددين في الدين بالمتعمقين ، فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس - رضي الله عنه - قال: « واصل النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر الشهر ، وواصل أناس من الناس ، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ثم لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ، إني لست مثلكم ، إني أظل يطعمني ربي ويسقين » .
وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن سيرين عن عبيدة قال: « مر النبي - صلى الله عليه وسلم -عليهم فلم يردوا عليه ، أو قال: فلم يتكلموا ، فسأل عنهم ، فقيل: نذروا أو حلفوا ألا يتكلموا اليوم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"هلك المتعمقون » ، يعني: المتنطعين .
قال صاحب عون المعبود: "هلك المتنطعون" أي: المتعمقون ، الغالون ، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم ، قاله النووي . قال الخطابي : المتنطع المتعمق في الشيء ، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم .
خامسا - التشدد والتعنت والتحمس:
التشدد والتعنت والتحمس بمعنى واحد قال صاحب إعانة الطالبين: التعنت: أي التشدد . (3) وقال ابن حجر : التحمس هو التشدد ، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : تحمس تشدد ، ومنه حمس الوغى: إذا اشتد .
حكم التطرف في الإسلام ومفاسده
لقد ذمت الشريعة الإسلامية التطرف في الدين ، فعن الأحنف بن قيس عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هلك المتنطعون » . قالها ثلاثا"
قال النووي : أي: المتعمقون ، الغالون ، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: « إياكم والتبدع ، وإياكم والتنطع ، وإياكم والتعمق ، وعليكم بالدين العتيق » .
قال ابن حجر : وفيه التحذير من الغلو في الديانة ، والتنطع في العبادة ، بالحمل على النفس فيما لم يأذن فيه الشرع ، وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة .
وما أحسن قول ابن العماد في منظومته:
لم يجعل الله في ذا الدين من حرج … لطفا وجودا على أحيا خليقته
وما التنطع إلا نزغة وردت … من مكر إبليس فاحذر سوء فتنته
إن تستمع قوله فيما يوسوسه … أو نصح رأي له ترجع بخيبته
القصد خير وخير الأمر أوسطه … دع التعمق واحذر داء نكبته
مفاسد الغلو والتطرف
أولا - أنه بدعة في الدين:
لقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاتباع ، ونهى عن الابتداع ، والغلو هو نوع من الابتداع في الدين .
« عن العرباض - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح ذات يوم ، ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل: يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا ، قال: "أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن عبدا حبشيا مجدعا ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة »
قال ابن تيمية : " ففي هذا الحديث أمر المسلمين باتباع سنته ، وسنة الخلفاء الراشدين ، وبين أن المحدثات - التي هي البدع التي نهى عنها - ما خالف ذلك .
ثانيا - سبب لهلاك الأمم:
إن أحد أسباب هلاك الأمم الغلو في الدين ، وقد حذر عنه الله - تعالى - في كتابه العزيز ، حيث قال : { قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ }