ذات يوم رجع الأعرج الى الكوخ مطروداً من الشوارع بمفاجأة عظيمة : كانت الحكومة قد سنّت قانوناً يمنع التسوّل ! فلقيه شرطي وصفقه بالسوط على قفاه، فلم توجعه الضربة لأنه معتاد أشدّ منها من عصا العمّ ابرهيم، ولكّن الوجع كان في نفسه.
ممنوع ! ممنوع مدّ الأيدي من الآن وصاعداً ! ممنوع طرق الأبواب، وايقاف المّارة، والدعاء بطول الأعمار.
لماذا ؟
سؤال هائل ارتسم على وجه الأعرج الصغير، لا يعرف له جواباً. كلّ ما كان يعرف من هذه الحياة أنّ عليه الرجوع كلّ مساء بخمسين قرشاً يسلّمها الى العمّ ابراهيم. أفاق على نفسه على هذا الشكل من الحياة. وعلى الرغم من العذاب الذي يلاقيه فهو يتمنّى أن تدوم الحال على ما هي. وها هي لا تريد أن تدوم. ها هو يرجع الى الكوخ بقرشين اثنين. ها هو ذاهب لثمان وأربعين عصاً تسلخ جلده… وغداً، وبعد غد خمسون عصاً ! كلّ يوم خمسون عصاً ! يا اللّه، هذا شيء كثير !
هذه المرّة قعد الأعرج على حافة الطريق يبكي ويشهق، والناس يمّرون مشاة، وفي السيّارات والتراموايات، لا أحد يلتفت اليه أو يسمع نحيبه… جثة قطّ أو قشرة ليمون !
على أن العمّ ابراهيم كان مطّلعاً على كلّ شيء. ولمّا عاد الصبي الى الكوخ سامحه بالثماني والأربعين عصاً. وشدّ ما كانت دهشته عندما أدناه اليه وأمسك برأسه ومسح جبينه بشاربيه… ولم يكتف بذلك بل قدّم اليه عشاءه بيده : علبة سردين – كلّها له – ورغيفاً. ثمّ ربّت على كتفه وقال له :
- ستكون بعد اليوم تاجراً، كما تريد الحكومة. وقهقه عالياً. أمّا هو فلم يفهم وظلّ مشدوها
مسروراً لأن العصا باقية في مكانها معّلقة. وكان لا يجسر على النظر اليها، بل يجوّل وجهه عنها لئلا يذكّر العمّ ابراهيم أنّها هنا !